الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية هــــــل يـقـضــي «المال الفاسد» علـى شفافية الانتخابات فــــي تـونــــس؟

نشر في  23 جويلية 2014  (11:09)

 أشهر قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات الفاصلة في تاريخ تونس التي ستتحول من فترة انتقالية إلى فترة الحكم الشرعي والدائم .في الورقة التالية  سنفتح ملفا حارقا وخطيرا قد يحول العرس الديمقراطي والعملية الانتخابية برمتها إلى سوق ودلال بحكم سطوة المال والخوف من تسلله وهيمنته على العملية الانتخابية القادمة، ألم يقل سلفنا إن المال قوام الأعمال؟ فما الذي سيمنع المال الفاسد من حشر انفه في الانتخابات؟ .وكيف يمكننا الحد أو قطع الطريق أمامه حتى لا يفرز لنا الصندوق في الانتخابات القادمة من استعانوا بقفاف المواد الغذائية والخرفان وأوراق بوخمسين دينار؟.
وأي دور ستلعبه الجمعيات الخيرية في توجيه الناخبين والمحسوبة لأحزاب سياسية دون أخرى؟ أين ستكون وجهة أصحاب المال؟ وهل فعلا سيرضخون لسلطة الحاكم يأتمرون بأمره ويدفعون لمن يعدهم بأن يحمي مصالحهم؟ أسئلة مشروعة نطرحها في هذا التحقيق وأخرى أيضا الهدف منها كشف المستور والمسكوت عنه.

الثأبت أن بعض الأحزاب التي شاركت في انتخابات 23 أكتوبر 2011 والتي تمكن بعض مرشحيها من تمثيل جزء من الشعب داخل المجلس التأسيسي  ارتكبت عديد التجاوزات وهو ما كشفته مثلا دائرة المحاسبات بعد اجراء اعمال الرقابة على  عديد الاحزاب والقائمات المستقلة خلال تلك  الانتخابات . وتجدر الإشارة إلى أن الأحزاب والقائمات المتخلّفة على تقديم حساباتها تحصلت على 4,840 م.د. بعنوان منحة المساعدات العمومية على تمويل الحملة الانتخابية يتعين إرجاعها إلى خزينة الدولة لعدم إثبات استعمالها في الغرض الذي أسندت من أجله.
وحتى الأحزاب والقائمات التي التزمت بتقديم حساباتها سجّلت دائرة المحاسبات افتقارها للكفاءة في مجال مسك الحسابية والإدارة المالية للحملة الانتخابية مما يفسّر الإخلالات المسجّلة والتي تعلّقت أساسا بفتح الحساب البنكي الوحيد بعد تسجيل فتح أكثر من حساب بنكي رغم منع ذلك قانونيا. كما لم يتم تنزيل بعض المبالغ من التمويل الذاتي بالحسابات البنكية المعنية ولم يتم الإفصاح عن مصدرها.
كما ان البنك المركزي عبّر بمناسبة تلك الانتخابات عن صعوبة مراقبة الحسابات البنكية لبعض الاحزاب ولبعض المترشحين.
911 قائمة لم تعد ما بذمتها من أموال إلى خزينة الدولة
تضمن تقرير دائرة المحاسبات إخلالات في مستوى استرجاع التمويل العمومي ذلك أن القائمات والأحزاب التي لم تتجوز  أو تعادل نسبة 3 بالمائة وجب عليها إرجاع القسط الثاني  إلى الأموال العمومية حسب المرسوم المنظم لقانون الانتخابات، في حين انه لم يتم تسليم الأموال الواجب إرجاعها من قبل القائمات المنتفعة بالقسط الثاني والتي لم تتحصل على نسبة 3 بالمائة في نتائج الانتخابات المصرح بها.علما أن 911 قائمة قد انتفعت بالقسط الثاني من المنحة و لم تتحصل على نسبة تعادل أو تفوق نسبة 3 بالمائة من الأصوات المصرح بها.
المال السياسي المتهم الرئيسي في كل المحطات الانتخابية
منذ الثورة وإلى الان مازالت كثير من الأحزاب في تونس تتلقى اموالا من الداخل والخارج بل هناك من الاحزاب من كانت ضمن الثلاثي الحاكم وهو التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الذي تبين أنه  قدّم هدايا وعطايا تجاوزت 55 ألف دينار وهو ما يمثل 11 بالمائة من مجمل مصاريف حملته الانتخابية الفارطة  رغم ان الفصل 40 من قرار هيئة الانتخابات المؤرخ في 3 سبتمبر 2011 حدد نسبة الهدايا بحد أقصى قدره 5 بالمائة من جملة النفقات وتستعمل عادة هذه الأساليب للتأثير على الناخبين.وهو ليس الحزب الوحيد الذي قدم الهدايا والعطايا إذ أن هذه الظاهرة كثيرا ما تنشط  مع اقتراب كل استحقاق انتخابي .ويعلم الكثيرون أن العديد من رجال الأعمال الفاسدين يطرقون أبواب الأحزاب ويعرضون عليهم خدماتهم المجانية على أمل لأن يكونوا لهم الستر الحامي لهم والواقي عند فوزهم في الانتخابات،بل إن بعض رجال الأعمال قد استفادوا من حكومة الترويكا وعقدوا معهم الصفقات التي لم تكن خافية على أحد وبعضهم اختار خدمتهم والدليل على ذلك ما تم كشفه من اجتماعات سرية جمعت قيادات حزب من أحزاب الترويكا مع بعض رجال الأعمال المعروفين من أجل مقايضتهم ودعوتهم للوقوف ماديا مع الحزب من أجل الغض عن تجاوزاتهم.بل أكثر من ذلك لا زال بعضهم يتحدث عن صفقات مشبوهة بين بعض الأحزاب التي شاركت في انتخابات أكتوبر 2011 وبعض رجال الأعمال الفاسدين.
أباطرة التهريب والأحياء المهمشة
أكثر ما يخشاه المتابعون للشأن السياسي في بلادنا هو أن يتقارب أهل الساسة وخاصة منهم الأحزاب الني ستتقدم للانتخابات القادمة  مع أباطرة التهريب الذي يتحوزون على أموال طائلة مجهولة المصدر أحيانا وهمهم الان هو التقرب للسلطان.فالسلطة هي من ستحميهم في قادم الأيام وعليه  فالمساهمة في الحملات الانتخابية ودفع الأموال سيكون بمثابة الاستثمار بالنسبة إليهم وعليه وجب استخلاص العبر من الانتخابات الماضية  ولسائل أن يسأل عن حجم تلك الأموال الخيالية التي وقع حجزها من طرف أعوان الديوانة والتي فاق بعضها ال6 مليارات أورو, وفي هذا الإطار يقول إبراهيم الميساوي رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد إنّ الشفافية في المعاملات المالية للأحزاب والجمعيات تكاد تكون غائبة، مشيرا أنّ هناك أكثر من 250 شبهة تتعلّق بتمويل عدد من الجمعيات دون احتساب الشبهات المتعلقة بالأحزاب السياسية،ولا يستبعد الميساوي أن يسجل المال السياسي حضوره في الانتخابات القادمة مشيرا إلى أن القانون الانتخابي  الجديد لم يكن صارما في فصوله من حيث العقوبات التي اكتفت بالخطايا دون العقاب بالسجن للأحزاب أو الأفراد المخالفين .
خطر الجمعيات على الانتخابات
وكشف لنا إبراهيم الميساوي رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد أنه لا يمكن الحديث عن الانتخابات دون إغفال دور الجمعيات المشبوهة والتي انتشرت كالفقاقيع بعد الثورة حيث يبلغ عدد الجمعيات حوالي 17ألف جمعية في حين لم يكن عددها يتجاوز ال9600 في بداية 2011 وأشار إلى أن القانون المنظم لعمل الجمعيات فتح لها المجال لأن تكون الواجهة الخلفية لتمويل الأحزاب وربما أيضا حتى تمويل المنظمات الإرهابية.وكشف لنا إبراهيم الميساوي أنه بإمكان أي مواطن تونسي مقيم بالخارج أن يمول هذه الجمعيات باعتبار أنّ المشرع سمح لها بتلقي الدعم المادي من الخارج دون تحديد جنسية الداعم.
   أبرز الإخلالات في انتخابات أكتوبر 2011
أشار تقرير دائرة المحاسبات أن بعض الاحزاب كان لها أكثر من حساب بنكي لادارة الحملة الانتخابية كما استعملت أحزاب سياسية موارد مالية دون ايداعها بالحساب البنكي المخصص مثل الحزب الاصلاحي الدستوري وحزب المبادرة والحزب الليبرالي المغاربي وحزب التحالف الوطني للسلم والنماء والقائمات المستقلة «العمل والاصلاح» و«من أجل التنمية والشغل» في دائرة أريانة و«حركة الشباب التونسي» بدائرة منوبة وحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري و«المستقلون» و«التآلف الجمهوري» وحزب الوفاق الجمهوري، كما اتضح ان «حزب العدل والتنمية» و«حزب النضال التقدّمي» استعملا موارد لم يبينا مصدرها مما يحول دون التأكد من مشروعيتها»، وانتفعت العديد من القائمات المستقلة بمساهمات مالية لم يعرف مصدرها.
وأثبتت التحريات حصول «حزب المستقبل» على مبلغ 40 ألف دينار من جهة خاصة.
مع الاشارة الى أن الفصل 52 من المرسوم عدد 35 لسنة 2011 يمنع تمويل الحملة من قبل الخواص.
ولم يكن تمويل الخواص بالمال فقط بل كان بالمساهمات غير المالية كالسيارات ومقرات لتنظيم الحملات .
عقوبات لا ترتقي إلى حجم التجاوزات
إن قراءة بسيطة للقانون الانتخابي الجديد تكشف بوضوح أن الأحكام غير زجرية ولا رادعة ومن شأنها أن تعيد الأخطاء والتجاوزات التي شهدتها انتخابات 23أكتوبر 2011وهو ما يشير إلى أننا سنعرف تجاوزات قد تؤثر على نتائج الاتخابات وتحولها من انتخابات شفافة ونزيهة إلى انتخابات تطغى عليها الرشوة والتصويت لمن يدفع أكثر بل ستلعب فيها الجمعيات المشبوهة والتي ضخت فيها أموال بلا حصر ودون رقابة دورا مصيريا من خلال توجيه الناخبين إلى قائمة دون أخرى .    

أهم الفصول في القانون الانتخابي  الجديد

الفصل 99 : تسلّط محكمة المحاسبات عقوبة مالية تتراوح بين خمسمائة دينار وألفين وخمسمائة دينار على المترشّحين أو القائمات المترشحة أو الأحزاب السياسيّة التي تعمد إلى عرقلة أعمالها بالتأخير في مدّها بالوثائق المطلوبة لإنجاز الأعمال الرقابية الموكولة لها .
كما يمكن للمحكمة تسليط عقوبة مالية تتراوح بين ألف دينار وخمسة آلاف دينار على المترشحين أو القائمات المترشحة أو الأحزاب السياسيّة التي تخالف الأحكام الواردة بالفصول 44 و 48 إلى 41 من هذا القانون .
تصدر هذه الأحكام ابتدائياً وتستأنف حسب الإجراءات المنصوص عليها بالقانون المنظم لمحكمة المحاسبات.
الفصل 81 : يمنع تمويل الحملة بمصادر أجنبيّة بما فيها الحكومات والأفراد والذوات المعنوية. ويعتبر تمويلاً أجنبياً المال الذي يتخذ شكل هبة أو هدية أو منحة نقدية أو عينية أو دعائية مصدرها أجنبي وفق التشريع الجبائي، مهما كانت جنسية الممول ولا  يعدّ تمويلاً أجنبياً تمويل التونسيين بالخارج للقائمات المترشحة عن الدوائر الانتخابية بالخارج.
وتضبط الهيئة قواعد التمويل وإجراءاته وطرقه التي تراعي خصوصية تمويل القائمات المترشحة عن الدوائر الانتخابية بالخارج.
الفصل 98 : إذا لم يتم إيداع الحساب المالي لقائمة أو مترشّح أو حزب تتولى محكمة المحاسبات التنبيه على الجهة المخالفة وإمهالها مدة ثلاثين يوما وفي صورة عدم إيداع الحساب خلال هذا الأجل، تقضي محكمة المحاسبات بتحميلها خطية تساوي خمسة وعشرين ضعفا لسقف الإنفاق.
إذا قررت محكمة المحاسبات رفض الحساب المالي لقائمة أو مترشّح أو حزب دون أن يكون قد تجاوز سقف الإنفاق، تقضي بتحميله خطية تساوي 11 % من سقف الإنفاق.
في صورة تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي بإحدى الدوائر الانتخابية، تسلّط محكمة المحاسبات العقوبات التالية على القائمة أو المترشّح أو الحزب:
•عقوبة مالية تساوي المبلغ المتجاوز للسقف إذا كان التجاوز في حدود 11 %
عقوبة مالية تساوي عشرة أضعاف قيمة المبلغ المتجاوز للسقف إذا كان التجاوز بأكثر من 11 %
• عقوبة مالية تساوي عشرين ضعفاً لقيمة المبلغ المتجاوز للسقف إذا كان التجاوز بأكثر من 41 % وإلى حد41 %
عقوبة مالية تساوي خمسة وعشرين ضعفاً لقيمة المبلغ المتجاوز للسقف إذا كان التجاوز بأكثر من 45 %

عبد اللطيف العبيدي